كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} (67) أحسّ ووجد.
وقوله: {إِنَّما صَنَعُوا كيد سحر} (69) جعلت {ما} في مذهب الذي: إن الذي صنعوا كيد سحر، وقد قرأه بعضهم {كَيْدُ ساحِرٍ} وكلّ صواب، ولو نصبت {كيد سحر} كان صوابا، وجعلت {إنما} حرفا واحدا كقوله: {إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثانًا}.
وقوله: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى} جاء في التفسير أنه يقتل حيثما وجد.
وقوله: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ} (71) ويصلح في مثله من الكلام عن وعلى والباء.
وقوله {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} يصلح على في موضع {فى} وإنما صلحت {فى} لأنّه يرفع في الخشبة في طولها فصلحت في وصلحت على لأنه يرفع فيها فيصير عليها، وقد قال اللّه {وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ} ومعناه في ملك سليمان. وقوله {أَشَدُّ عَذابًا وَأَبْقى} يقول: وأدوم.
وقوله: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا} (72) فالذى في موضع خفض:
وعلى الذي. ولو أرادوا بقولهم {وَالَّذِي فَطَرَنا} القسم بها كانت خفضا وكان صوابا، كأنهم قالوا:
لن نؤثرك واللّه.
وقوله {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ}: افعل ما شئت. وقوله {إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا} إنما حرف واحد، لذلك نصبت {الحياة} ولو قرأ قارئ برفع {الحياة} لجاز، يجعل {ما} في مذهب الذي كأنه قال: إن الذي تقضيه هذه الدنيا.
وقوله: {وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} (73) ما في موضع نصب مردودة على معنى الخطايا. وذكر في التفسير أن فرعون كان أكره السّحرة على تعلّم السّحر.
وقوله: {لا تَخافُ دَرَكًا وَلا تَخْشى} (77) رفع على الاستئناف بلا كما قال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقًا} وأكثر ما جاء في جواب الأمر بالرفع مع لا.
وقد قرأ حمزة {لا تخف دركا} فجزم على الجزاء ورفع {ولا تخشى} على الاستئناف، كما قال: {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} فاستأنف بثمّ، فهذا مثله. ولو نوى حمزة بقوله {وَلا تَخْشى} الجزم وإن كانت فيه الياء كان صوابا كما قال الشاعر:
هزّى إليك الجذع يجنيك الجنى

ولم يقل: يجنك الجنى. وقال الآخر:
هجوت زبّان ثمّ جئت معتذرا ** من سبّ زبّان لم تهجو ولم تدع

وقال الآخر:
ألم يأتيك والأنباء تنمى ** بما لاقت لبون بنى زياد

فأثبت في {يأتيك} الياء وهى في موضع جزم لسكونها فجاز ذلك.
وقوله: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (81) الكسر فيه أحبّ إلىّ من الضم لأن الحلول ما وقع من يحلّ، ويحلّ: يجب، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع. وكلّ صواب إن شاء اللّه. والكسائىّ جعله على الوقوع وهى في قراءة الفرّاء بالضمّ مثل الكسائىّ سئل عنه فقاله، وفى قراءة عبد اللّه أو أبيّ: إن شاء اللّه: {ولا يحلّنّ عليكم غضبى ومن يحلل عليه} مضمومة. وأمّا قوله: {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ} فهى مكسورة. وهى مثل الماضيتين، ولو ضمّت كان صوابا فإذا قلت حلّ بهم العذاب كانت يحلّ بالضم لا غير، فإذا قلت: على أو قلت يحلّ لك كذا وكذا فهو بالكسر.
وقوله: {ثُمَّ اهْتَدى} (82): علم أن لذلك ثوابا وعقابا.
وقوله: {قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي} (84) وقد قرأ بعض القراء {أولاى على أثرى} بترك الهمز، وشبّهت بالإضافة إذا ترك الهمز، كما قرأ يحيى بن وثاب {ملّة آباى إبراهيم} وتقبّل دعاى ربّنا.
وقوله: {ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا} (87) برفع الميم. {هذا قراءة القراء} ولو قرئت بِمَلْكِنا {وملكنا} كان صوابا. ومعنى {ملكنا} في التفسير أنا لم نملك الصّواب إنما أخطأنا.
وقوله {وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} يعنى ما أخذوا من قوم فرعون حين قذفهم البحر من الذهب والفضّة والحديد، فألقيناه في النار. فكذلك فعل السّامرىّ فاتّبعناه. فلما خلصت فضّة ما ألقوا وذهبه صوّره السّامرىّ عجلا وكان قد أخذ قبضة من أثر فرس كانت تحت جبريل قال السّامرىّ لموسى: قذف في نفسى أنى إن ألقيت تلك القبضة على ميّت حيى، فألقى تلك القبضة في أنف الثور وفى دبره فحيى وخار قال الفراء: وفى تفسير الكلبىّ أن الفرس كانت الحياة فذاك قوله: {وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} يقول زيّنته لى نفسى.
ومن قرأ بملكنا بكسر الميم فهو الملك يملكه الرجل تقول لكل شيء ملكته: هذا ملك يمينى للمملوك وغيره مما ملك والملك مصدر ملكته ملكا وملكة: مثل غلبته غلبا وغلبة. والملك السّلطان وبعض بنى أسد يقول مالى ملك، يقول: مالى شيء أملكه وملك الطريق وملكه: وجهه.
قال الشاعر:
أقامت على ملك الطريق فملكه ** لها ولمنكوب المطايا جوانبه

ويقال مع ملك الطريق: فملكه. أقامت على عظم الطريق وعلى سجح الطريق وعلى سننه وسننه:
وقوله: {فَنَسِيَ} (88) يعنى أن موسى نسى: أخطأ الطريق فأبطأ عنهم فاتّخذوا العجل فعيّرهم اللّه فقال. أفلا يرون أن العجل لا يتكلّم ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
وقوله: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً} بالكف كلّها. والقبضة بأطراف الأصابع. وقرأ الحسن قبصة بالصاد والقبصة والقبضة جميعا: اسم التراب بعينه فلو قرئتا كان وجها: ومثله ممّا قد قرئ به {إلّا من اغترف غرفة بيده} و{غرفة}. والغرفة: المغروف، والغرفة: الفعلة. وكذلك الحسوة والحسوة والخطوة والخطوة والأكلة والأكلة. والأكلة المأكول والأكلة المرّة. والخطوة ما بين القدمين في المشي، والخطوة: المرّة. وما كان مكسورا فهو مصدر مثل إنه لحسن المشية والجلسة والقعدة.
وقوله: {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ} (97) أي لا أمسّ ولا أمس، أوّل ذلك أن موسى أمرهم ألّا يؤاكلوه ولا يخالطوه ولا يبايعوه. وتقرأ {لا مساس} وهى لغة فاشية: لا مساس لا مساس مثل نزال ونظار من الانتظار. وقوله {الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفًا} و{ظَلْتَ} و{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} و{فَظَلْتُمْ} إنما جاز الفتح والكسر لأن معناهما ظللتم، فحذفت اللام الأولى: فمن كسر الظاء جعل كسرة اللام الساقطة في الظاء. ومن فتح الظاء قال: كانت مفتوحة فتركتها على فتحها.
ومثله مسست ومسست تقول العرب قد مست ذلك ومسته، وهممت بذلك وهمت، ووددت ووددت كذا في ب أنك فعلت ذاك، وهل أحسست صاحبك وهل أحست.
وقوله {لَنُحَرِّقَنَّهُ} بالنار و{لَنُحَرِّقَنَّهُ} لنبردنّه بالحديد بردا من حرقت أحرقه وأحرقه لغتان. وأنشدنى المفضل:
بذي فرقين يوم بنو حبيب ** نيوبهم علينا يحرقونا

حدّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى حبّان بن علىّ عن الكلبىّ عن أبى صالح أن علىّ بن أبى طالب قال: {لَنُحَرِّقَنَّهُ} لنبردنّه.
وقوله: {يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} (102) يقال نحشرهم عطاشا ويقال نحشرهم عميا.
وقوله: {يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ} (102) التخافت: الكلام المخفي.
وقوله: {أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} (104) أجودهم قولا في نفسه وعندهم {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} وكذب.
وقوله: {يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفًا} (105) يقلعها.
وقوله: {قاعًا صَفْصَفًا} (106) القاع مستنقع الماء والصفصف الأملس الذي لا نبات فيه.
وقوله: {وَلا أَمْتًا} (107) الأمت: موضع النبك من الأرض: ما ارتفع منها ويقال: مسايل الأودية غير مهموز ما نسّفل وقد سمعت العرب يقولون: ملأ القربة ملأ لا أمت فيها إذا لم يكن فيها استرخاء. ويقال سرنا سيرا لا أمت فيه ولا وهن فيه ولا ضعف.
وقوله: {يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} (108) يتّبعون صوت الداعي للحشر {لا عِوَجَ لَهُ} يقول لا عوج لهم عن الداعي فجاز أن يقول {لَهُ} لأن المذهب إلى الداعي وصوته. وهو كما تقول في الكلام: دعوتنى دعوة لا عوج لك عنها، أي إنّى لا أعوج لك ولا عنك.
وقوله: {إِلَّا هَمْسًا} يقال: نقل الأقدام إلى المحشر. ويقال: إنه الصّوت الخفىّ. وذكر عن ابن عباس أنّه تمثّل:
وهنّ يمشين بنا هميسا ** إن تصدق الطير ننك لميسا

فهذا صوت أخفاف الإبل في سيرها.
وقوله: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ (109)} {من} في موضع نصب لا تنفع إلا من أذن له أن يشفع فيه.
وقوله: {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} كقولك: ورضى منه عمله وقد يقول الرجل. قد رضيت لك عملك ورضيته منك.
وقوله: {يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ (110)} يعنى ملائكته الذين عبدهم من عبدهم. فقال: هم لا يعلمون ما بين أيديهم وما خلفهم، هو الذي يعلمه. فذلك قوله: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}.
وقوله: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ (111)} يقال نصبت له وعملت له وذكر أيضا أنه وضع المسلم يديه وجبهته وركبتيه إذا سجد وركع وهو في معنى العربيّة أن يقول الرجل عنوت لك: خضعت لك وأطعتك. ويقال الأرض لم تعن بشىء أي لم تنبت شيئا، ويقال: لم تعن بشىء والمعنى واحد كما قيل: حثوت عليه التراب وحثيت التراب. والعنوة في قول العرب: أخذت هذا الشيء عنوة يكون غلبة ويكون عن تسليم وطاعة ممّن يؤخذ منه الشيء قال الشاعر:
فما أخذوها عنوة عن مودّة ** ولكن بضرب المشرفىّ استقالها

فهذا على معنى الطاعة والتسليم بلا قتال.
وقوله: {فَلا يَخافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا (112)} تقول العرب: هضمت لك من حقّى أي حططته، وجاء عن على بن أبى طالب في يوم الجمل أنه قيل له أهضم أم قصاص قال: ما عمل به فهو تحت قدىّ هاتين فجعله هدرا وهو النقص.
وقوله: {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)}. شرفا وهو مثل قول اللّه {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} أي شرف ويقال: {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} عذابا أي يتذكرون حلول العذاب الذي وعدوه.
وقوله: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (114)} كان صلّى اللّه عليه وسلم إذا أتاه جبريل بالوحى عجل بقراءته قبل أن يستتمّ جبريل تلاوته، فأمر ألّا يعجل حتى يستتمّ جبريل تلاوته، وقوله {فَنَسِيَ} ترك ما أمر به.
وقوله: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} صريمة ولا حزما فيما فعل.
وقوله: {فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (87)} ولم يقل: فتشقيا لأنّ آدم هو المخاطب، وفى فعله اكتفاء من فعل المرأة. ومثله قوله في ق {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ} اكتفى بالقعيد من صاحبه لأن المعنى معروف. ومعنى {فَتَشْقى} تأكل من كدّ يدك وعملك.
وقوله: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها (118)} أن فيها في موضع نصب لأنّ إن وليت ولعلّ إذا ولين صفة نصبت ما بعدها فأنّ من ذلك.
وقوله: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها (119)}. نصب أيضا. ومن قرأ {وإنّك لا تظمأ} جعله مردودا على قوله: {إنّ} التي قبل {لك} ويجوز أن تستأنفها فتكسرها بغير عطف على شيء ولو جعلت وأنّك لا تظمأ بالفتح مستأنفة تنوى بها الرفع على قولك ولك أنك لا تظمأ فيها ولا تضحى كان صوابا.
وقوله: {وَلا تَضْحى} لا تصيبك شمس مؤذية وذكر في بعض التفسير {وَلا تَضْحى} لا تعرق والأول أشبه بالصواب قال الشاعر:
رأت رجلا أمّا إذا الشمس أعرضت ** فيضحى وأمّا بالعشي فيخصر

فقد بيّن. ويقال: ضحيت.
وقوله: {وَطَفِقا يَخْصِفانِ (121)} هو في العربية: أقبلا يخصفان وجعلا يخصفان. وكذلك قوله: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ} وقيل ههنا: جعلا يلصقان عليهما ورق التين وهو يتهافت عنهما.
وقوله: {ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ (122)}، اختاره {فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى} أي هداه للتوبة.
وقوله: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} (124) والضّنك: الضّيّقة الشديدة.
وقوله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى} أعمى عن الحجّة، ويقال: إنه يخرج من قبره بصيرا فيعمى في حشره.
وقوله: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ (128)} يبيّن لهم إذا نظروا {كَمْ أَهْلَكْنا} و{كم} في موضع نصب لا يكون غيره. ومثله في الكلام: أو لم يبيّن لك من يعمل خيرا يجز به، فجملة الكلام فيها معنى رفع. ومثله أن تقول: قد تبيّن لى أقام عبد اللّه أم زيد، في الاستفهام معنى رفع. وكذلك: {سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ} فيه شيء برفع {سَواءٌ عَلَيْكُمْ}، لا يظهر مع الاستفهام.
ولو قلت: سواء عليكم صمتكم ودعاؤكم تبيّن الرّفع الذي في الجملة.
وقوله: {يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ} يعنى أهل مكّة. وكانوا يتّجرون ويسيرن في مساكن عاد وثمود، فيمرون فيها. فالمشى لكفّار أهل مكّة والمساكن للمهلكين. فقال: أفلم يخافوا أن يقع بهم ما وقع بالذين رأوا مساكنهم وآثار عذابهم.
وقوله: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)} يريد: ولولا كلمة وأجل مسمّى لكان لزاما مقدّم ومؤخّر وهو- فيما ذكروا- ما نزل بهم في وقعة بدر من القتل.
وقوله: {وَأَطْرافَ النَّهارِ (130)} وإنما للنهار طرفان فقال المفسّرون: {وَأَطْرافَ النَّهارِ} صلاة الفجر والظهر والعصر وهو وجه: أن تجعل الظهر والعصر من طرف النهار الآخر، ثم يضمّ إليهما الفجر فتكون أطرافا. ويكون لصلاتين فيجوز ذلك: أن يكونا طرفين فيخرجا مخرج الجماع، كما قال: {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} وهو أحبّ الوجهين إلىّ، لأنه قال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} وتنصب لأطراف بالردّ على قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. وإن شئت خفضت أطراف تريد وسبّحه من الليل ومن أطراف النهار، ولم أسمعها في القراءة، ولكنها مثل قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ} {وإدبار السجود} وقرأ حمزة {وإدبار السجود} ويجوز في الألف الفتح والكسر ولا يحسن كسر الألف إلّا في القراءة.
وقوله {لَعَلَّكَ تَرْضى} و{ترضى} ومعناهما واحد لأنك إذا رضيت فقد أرضيت. وكان حمزة وأصحاب عبد اللّه يقرءونها ترضى. حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى أبو بكر وأخوه الحسن بن عيّاش عن عاصم عن أبى عبد الرحمن أنه قرأ لعلك {ترضى} بضم التاء.
وقوله: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ (131)} يريد: رجالا منهم.
وقوله {زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا} نصبت الزهرة على الفعل متعناهم به زهرة في الحياة وزينة فيها. و{زهرة} وإن كان معرفة فإن العرب تقول: مررت به الشريف الكريم. وأنشدني بعض بني فقعس:
أبعد الذي بالسّفح سفح كواكب ** رهينة رمس من تراب وجندل

فنصب الرهينة بالفعل، وإنما وقع على الاسم الذي هو الرهينة خافض فهذا أضعف من {متّعنا} وأشباهه.
وقوله: {لا نَسْئَلُكَ رِزْقًا (132)}. أجرا على ذلك. وكذلك قوله: {وَرِزْقُ رَبِّكَ} يريد: وثواب ربك.
وقوله: {أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ (134)} من قبل الرسول {لَقالُوا} كيف أهلكنا من قبل أن أرسل إلينا رسول. فالهاء لمحمّد صلّى اللّه عليه وسلم. ويقال إن الهاء للتنزيل. وكلّ صواب وقوله: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135)} من ومن في موضع رفع.
وكلّ ما كان في القرآن مثله فهو مرفوع إذا كان بعده رافع مثل قوله: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ومثله {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى} ومثله {أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ولو نصب كان صوابا، يكون بمنزلة قول اللّه: {اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}.
وقوله: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ} الذين لم يضلّوا {وَمَنِ اهْتَدى} ممّن كان ضالا فهدى. اهـ.